[right]حدّثني خطاف من الجنوب فقال:
أنا مخلوق مهاجر...أجنحتي مواخر...ومقلي محابر..وخير عشائي السّوافر..فؤادي مراجل وحياتي مراحل..ندمائي فلاسفة وفطاحل..تعلّمت واستنرت منذ صغري..لأضيئ الدّياجر عند كبري..كنت أواكب مجالس السّمر..وأخزّن لبّ الفكر..أُشبّه في طلعتي بالبدر..وفي لجاجتي بالجمر..شددت-ذات يوم-الرّحال..وقطعت الأميال والأميال..مررت ببلاد الأغوال والأهوال..حتّى وصلت فنني الجميل..تربّعت على عرشي الظّليل..أتمتّع بالنّسيم العليل..فجأة سمعت مثل الصّليل..تطلّعت من الباب الفسيح..ثمّ نزلت من المعرج المريح..وإذا بهدهد بديع الرّيش..يتطاير من عينيه رغد العيش..لباسه خزّ وقزّ..ومشيته كلّها جاه وعزّ..حيّاني تحيّة خشباء..لاتُقبل إلّا من أصحاب النّفوذ والوجهاء..ترجّلت نحوه في استحياء..وكدت أنحني لولا الكبرياء..رحّبت واستفسرتعن سبب الزّيارة الفجئيّة..وأبعادها الاستراتيجيّة..فعلمت أنّه من أشراف العائلة الملكيّة وناشط في الدّفاع عن الحريّة..ومن أنصار الدّيمقراطيّة..فأثلج صدري بتلك الجمل السّفسطائيّة..أعلمني محدّثي بأنّ موقع وكري حسّاس..وأنّ تصميمه خال من الملاءمة والجناس..فإذا طاوعته قلبه إلى مركز طبّيّ للأشعّة والمفراس..ذهلت وقلت:شرط أن لا يكون بالملكيّة مساس..قال:الملكيّة نقتسمها والأجهزة من أصقاع أوّرّدها..أمّا الأرباح فوحدي أحصدها..وهويّتي على الشّارع أكتبها..قلت:وما نفعي أنا؟قال:يكفيك راتب كلّ سنة..قلت:تلك إذن قسمة ضيزى..كيف أغيّب وأنا الأسّ والرّكيزة؟قال:هل نسيت حالك من تكون.؟أم أصابك الهوس والجنون.؟إن نسيت نفسك أذكّرك..وإن جهلت أصلك أعلّمك..قلت:لا هذا ولاذاك,لكن أسمعني ما عندك..وأرحني بربّك..قال:هل تستوي الظّلمات والنّور؟أو الظّلّ والحرور؟أو الأحياء وموتى القبور؟قلت:آه فهمت الآن,لك اللّبّ ولي القشور..لي الإناث ولك الذّكور..أقبض بالسّنة وتقبض بالشّهور..قال صاحبي:إنّي أعلم أنّك مثقّف حكيم..وأنّك لأسراري كظيم..نصيحتي:كل فتاتي وقل خير عميم..العق إنائي وقل عيش كريم..إن قبلت شروطي قلّدتك المناصب..وذلّلت لك المصاعب..قلت :وإن رفضت؟قال:تنسى وجهك في المرآة..وبين القضبان تبدأمرحلة السّبات..وجمت برهة ثمّ انصرفت..وبقول الشّاعر رفعت عقيرتي وترنّمت..
"لا تسقني ماء الحياة بذلّة بل اسقني بالعزّة كأس الحنظل
كأس الحياة بذلّة كجهنّم وجهنّم بالعزّة أطيب منزل "
جليلة اليحياوي